أعتقد أنّ حادث الاعتداء الأخيرعلى أتوبيس رحلات من محافظة سوهاج، فى طريقه إلى ديرالأنبا صموئيل بالمنيا يوم1آ نوفمبر2018، وأدى إلى مقتل سبعة مصريين (مسيحيين) بخلاف المصابين، لن يكون الأخير طالما استمرّتْ الثقافة السائدة (خاصة التعليم والإعلام) مع تعظيم الأصوليات الدينية.. وعدم وجود إرادة وطنية لتجفيف منابع الإرهاب.
وقد ظهرتْ الأصوليات الدينية نتيجة التعصب، فترى كل أصولية أنها الفئة المؤمنة وغيرها ضالة والمُمثلة لحزب الله.. وغيرها أتباع حزب الشيطان. وهذه التقسيمات نتيجة لإيمانها بالمُـطلق ومعادتها للنسبى.. ويؤمن الأصوليون بالثبات ضد قانون التغير.. وذلك بالرغم من أنّ قانون التغير أشبه بالقطار المُـندفع الذى لا يرى الحشرات ولا الأعشاب على قضبانه.. وإيمانهم بالمُطلق أدى بهم إلى معاداتهم لقانون السببية (بالرغم من أنه مع النسبية) كانا من العوامل الرئيسية التى أدّتْ للتقدم والتنمية والرفاهية، لبعض الشعوب سعيدة الحظ ، لأنها نبذتْ التعصب الدينى والمذهبى.
والتعصب هو الذى أدى إلى حدوث عدة جرائم. مثل الانحياز للعرق، الذى تسبب فى حروب عالمية، ومعاداة العلم، فاختيار نوع الجنين.. ولون البشرة حرام.. والاستنساخ حرام، رغم فوائده الكثيرة وأهمها التوصل إلى (مصنع) لإنتاج قطع غيار للجسد.
يتلازم مع معاداة العلم الإدعاء أنّ الاكتشافات العلمية وردتْ فى النصوص القديمة، وأنّ الكتب التى يُقدّسونها لم تـُفرّط فى شىء، وترتب على هذا أنّ الشعوب المؤمنة بالأحادية والمتعصبة لفكر واحد، لم تــُـنتج فلسفة ولا أدبًا ولاعلمًا.. وهى تستهلك تكنولوجيا الشعوب الرافضة للتعصب.
وأعتقد أنّ أخطر أشكال التعصب هما التعصب للعرق وللدين. والتعصب للعرق بدأ مع الأنظمة الاجتماعية التى لم تعرف مفهوم (الدولة) ذات الحدود المستقرة كما كان الوضع فى مصرالقديمة. أما فى الجزيرة العربية فقد انتشر مفهوم القبيلة والفخذ والبطن.
وبسبب التعصب للعرق يكون التعصب للحضارات المختلفة. وقد تمادى معاوية بن أبى سفيان فى التعصب للعرق فقال ((أهل مصر ثلاثة أصناف: فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لاناس. فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب، والثلث الذين يشبهون الناس فالموالى، والثلث الذين لاناس المُسالمة يعنى القبط)) (المقريزى – المواعظ والاعتبار- ص56)آ آ آ
وبدأ العباسيون حكمهم بنبش قبورالأمويين ثم القضاء على من بقى منهم فى مذبحة فظيعة. وكان أبوالعباس قد أمّن كبارالأمويين ودعاهم إلى مأدبة عشاء. وهنا يشترك الشعراء فى التحريض على القتل فيقول الشاعرسديف للخليفة العباسى ((لا يغرنك ما ترى من رجال/ إنّ تحت الضلوع داءً دويًا/ فضع السيف وارفع السوط حتى/ لاترى فوق وجهها أمويا)) فصدر أمرالخليفة بضربهم حتى الموت. وكان يأكل طعامه وهو يسمع أنينهم حتى لفظوا الأنفاس جميعًا. بعد ذلك بدأ العباسيون فى تصفية بعضهم البعض. وعن التعصب للعرق قال الإمام أبوحنيفة (ليس أحد من العرب كفؤا لقريش. كما ليس أحد من غير العرب كفؤا للعرب)
أما عن التعصب للدين فإنّ الأمثلة كثيرة منها اغتيال على بن أبى طالب بفتوى الخوارج بإهدار دمه. واستخدموا القرآن لتبرير جريمتهم فقالوا إنه هوالذى أنزل الله فيه الآية 204 من سورة البقرة.. وقالوا عن قاتله عبدالرحمن بن ملجم إنه هوالذى أنزل الله فى شأنه الآية رقم 207 من ذات السورة.. ووصل التعصب لدرجة أنّ المسلمين كانوا يقتلون المسلمين الموحدين مثلهم مثلما حدث أثناء القتال بين معاوية وعلى بن أبى طالب.
وأعتقد أنّ التعصب العرقى والدينى لايوجد ولا ينمو إلاّ فى مناخ مُـعادى طارد للعلوم الإنسانية وفى مقدمتها الفلسفة. لذلك لم تكن مصادفة أنْ يأمر أكثر من خليفة إسلامى بحرق كتب الفلسفة كما حدث مع كتب ابن رشد. ولم تكن مصادفة أنْ يكون مصيربعض الفلاسفة التعذيب والقتل كما حدث مع الحلاج وابن المقفع والسهروردى. والدرس هو أنّ أنظمة الاستبداد ضد الفلسفة. ولذلك أمر الضابط كمال الدين حسين الذى شغل منصب وزير التعليم فى عهد عبد الناصر بإلغاء مادة الفلسفة. وتضع كتب المعاهد الأزهرية- حاليًا- الفلسفة بجاتب الشعوذة. وأعتقد أنّ الخلاص من التعصب لايكون إلاّ بترسيخ ملكة (النقد) فى التعليم، وهو ما فعله عميد الثقافة المصرية (طه حسين) عندما كان عميد كلية الآداب، حيث نبّـه على الأساتذة أنْ يسمحوا للطلاب بالاختلاف معهم، وأنْ يُـفكروا فيما يدرسونه ولا يُصدّقون كل ما يُقال لهم، مع رفض آلية (الحفظ) وأنّ العبرة بالفهم، ومع العقل وليس النقل.
-----------------
بقلم: طلعت رضوان
منشور في العدد 263 من المشهد الأسبوعي